طفل في الثلاثين من عمره.

منذ ثماني سنوات قررت كتابة بوست طويل يوم عيد مولدي.. وأجلته كثيرا كما ترى.. اليوم سأكتبه بغرض إنهاء المهمة لا أكثر.. وسيكون طويل كما وعدت.. يمكنني أن ألخص الأمر وأكتب (كل سنة وأنا طيب) لكن الوعد وعد معلش.

هناك طفل في الرابعة من عمره لم يذهب لمكان أبعد من بيته إلا للمسجد القريب يصلي مع أبيه.. كان يعتقد أن الشارع المظلم بجانب المسجد هو نهاية العالم وحافة الكون.. اليوم هو يعبر تلك الحافة كل يوم ذاهبا إلى عمله كل صباح.

وفي السابعة من عمره ابتلي على عكس الجميع آنذاك بالسهر والتفكير.. يطلب من أمه كل يوم شراء راديو صغير ينقذه من أفكاره طوال الليل.. في يده الآن هاتف به راديو وتلفزيون ومكتبة الأسكندرية وكل ما أنتجه البشر من أفلام وعلوم على مر العصور وما زالت الأفكار تعصف برأسه.

أدرك معنى الاحتفال بعيد الميلاد في التاسعة وفهم أنه عندما يولد الإنسان تفلت يده من حافة ما ويواصل السقوط سنة تلو الأخرى ووجه للأعلى لا يدري متى يصطدم ظهره بالأرض.. لذا دائما كلما أحب شيئا حاول التعلق به..

وفي التاسعة من عمره أخذ (-١) في الإملاء.. صفر لأنه لا يوجد كلمة صحيحة.. وسالب واحد لأن خطه (نكش فراخ) حسب تعبير المعلمة.. كان الأطفال في الفصول المجاورة يأتون إليه ليشاهدوا هذه الدرجة المعجزة.. ويفتح لهم كراسته بكل فخر.

وفي العاشرة أحب القراءة وأحب فكرة أن أفكار الليل يمكن أن تضعها مثل العفريت في قمقم وتحفظها بالكتابة فأحب الكتابة.

وفي الثالثة عشر وجد على سطح منزلهم قصة بحجم الجيب لأحمد خالد توفيق.. لا يدري أحب القصة أم كاتبها لكنه ظل يلهث وراء باقي كتبه ورأي فيها تسليته حتى أنهى تقريبا كل ما كتب وبدأ في انتظار الجديد.. وفي عمر السادسة والعشرين لم يذهب للعمل يوم مات الكاتب وذهب من الجيزة إلى طنطا ليحضر الجنازة.

أحب والدته منذ ولد لكنه لم يعِ أنه يحبها بهذا القدر إلا يوم ماتت.. ولما ماتت لم يعد يفيده التعلق والنجاة من السقوط..

أراد دائما بالكتابة والتصوير أن يحتفظ بالزمن والأشياء.. لكن كل ما صوره وكتبه عن والدته لم يغنه عن اسمها على شاشة الهاتف تسأله (اتأخرت ليه؟)

وفي عمر الثلاثين يرى نعم الله عليه لا يكفيه ما تبقى من العمر ليشكره عليها.. فسبحانه له الحمد وله الشكر وهو العلي القدير.

وفي عمر ال… سيصطدم ظهره بالأرض.. لكنه لا يخاف لأن وجه للأعلى.. والله هو الأعلى.

أضف تعليق