في حب النبي (١)

لأسباب كثيرة يكون تقسيم الناس-غالبا- أساسه المستوى المادي .. فالأغنياء المسلمون والأغنياء المسيحيون والأغنياء الناصريون والأغنياء السلفيون والأغنياء المدنيون حتى الأغنياء الثائرون على الأغنياء كلهم سيعيشون في المدن الجديدة .. والفقراء بكل معتقداتهم سيعيشون حيث يسمح لهم دخلهم المادي.

وتبدأ ثقافة الغنى والثراء تأكل في المعتقد أي كان .. فيتفاجئ الشيخ التقي الورع في الأرياف عندما يذهب للمدينة أن زي ابنته مناسب جدًا رغم ضيقه الذي كان يراه في الأرياف وقصره الذي كان يراه في الأرياف وتبرجه الذي كان يراه في الأرياف.. حتى عبائته هو لم تعد مناسبة فيبدلها بالبدلة ويخفض وجهه اذا قابل أحدا من الذين كان ينصحهم أن يرتدوا الجلاليب والعمائم.

وذلك الذي كان يأكل كسرة الخبز عندما تقع منه مخافه أن تزول النعمة وتأسيًا بسنة رسول الله يجد في المدينة أن الطعام وفير ولا حاجة لأكل تلك الكسرة بالذات وأن رجل الأمن على البوابات يوفر لهم حياة راقية لا يدخل فيها فقير أو محتاج يمكن أن يعطيه باقي الطعام اللهم إلا رجال الأمن أنفسهم.

ويبدأ شيخنا ومولانا يذوب في المجتمع دون أن يجد أي قشة يتعلق بها.. فغارقا وخائفًا يبدأ بتسمية أولاده أسماء دينية جدًا يريدها بعيدة كل البعد عن ذلك المجتمع الجديد علها تكون منارة لصاحب الاسم.

وفي كل مجتمع تذوب اختلافات العقائد ومظاهرها حتى تختفي .. فلا يهتم شيخنا صاحب الشركة بتبرج السيكرتيرة مادامت موظفة كفئ .. ولا تهتم العجوز المسيحية بديانة جارتها مادام الإثنين يعانين من نفس رائحة المجاري كل يوم.

وإن من أروع الأحداث في تاريخ البشرية وأقواها ثورية تقرأها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .. فلو كنت تعتقد أن تقسيم الناس هذا حادثًا اليوم بنسبة 50% فقد كان في زمن النبي حادثًا بنسبة 200% .. فقد كان الناس في درجة أكبر من الغنى تسمى السيادة .. وكان الفقراء في درجة أقل من الفقر تسمى العبودية ..
بين هؤلاء وهؤلاء لا توجد فوارق إجتماعية بل سلاسل إجتماعية وقيود توضع حرفيًا في أعناق العبيد ويجرها السادة.

هذه الثقافة لم تكن عند العرب وحدهم بل عند العرب والروم والفرس والعالم كله .. حتى جاء شاب ثوري أربعيني من قريش يحمل كتابًا سماويًا عازمًا به كسر تلك السلاسل ..

يجمع الناس كلهم بجامع الدين والأخلاق وطهارة القلب مهما كان اختلافهم فلا فرق بينكم جميعًا لا في لون ولا موطن ولا في لهجة ولا في مستوى مادي ولا إن كنتم عبيدًا أو سادة .. ادخلوا هذا المسجد وصفوا أقدامكم متقاربة وأكتافكم متجاورة .. كتف بلال العبد الحبشي في كتف ابن زهير سيد مكة.

ومن الغريب ان الثقافة وهي منارة العقول تصبح أحيانًا سببًا في الفرقة .. فيفتخر بها صاحبها على من هم دونه .. أنا مثقف وأنتم من العامة أنا أعلم وأنتم غارقون في الجهل أنا مطلع على ثقافات الغرب والعالم وأنتم محليون عشوائيون .. أما محمد الذي جاء بثقافته ليس من الغرب وليس من كوكب آخر وإنما من رب كل تلك الكواكب فما تكبر يومًا على جاهل لعلمه أنه الطبيب وهؤلاء أصحابه يأهلهم للطب لأنه يدري أنه لن يكون موجودًا ليشفي العالم كله من جهله وعنصريته.

فيمنعهم صلى الله عليه وسلم أن يعترضوا طريق أعرابي رفع عبائته وبدأ يتبول في مسجد رسول الله .. يا أصحابي لماذا تمنعوه؟ دعوه ينتهي من تبوله وضعوا عليه بعض الماء وعلموه أن ليس هنا التبول.. لعلكم لو ضربتموه تخسروا طبيبًا سيساعدنا في شفاء الكوكب من أمراضه.

شاب أربعيني من قريش يرى هدفه الأكبر وهو هداية العالم .. عالمه ذالك الذي يعبد فيه الناس الأحجار وعالمنا ذلك الذي يسب فيه الناس النبي.

يرى هدفه الأكبر فلا يلتفت لمن يسيئ وهو يريد الإنتقام ولكن يلتفت يريد له الهداية ..

وفي بداية دعوته لم يكن النبي يمثل حتى الاقلية .. بل كان وحده تماما.. شخص واحد.. يطلع كل يوم وحده كأنه الشمس .. هو وهي وحيدان في هذا العالم.

في يده صلى الله عليه وسلم مصباح النور والهدايا وما غضب من الناس يوما ..حتى حزنه لم يكن منهم بل كان عليهم .. فسامحهم لما ضربوه ولما قتلوا عمه ولما ضربوه بالحربة في خده الشريف صلى الله عليه وسلم.

رقيق القلب الذي اذابت رقته صخور الجهل والظلم جاء الى عالم اظلم من الليل فتركه وهو يشع نورا ورحمة .. مات وتركنا صلى الله عليه وسلم وترك اصدقائه يتامى .. بعد موته بأعوام صعد سيدنا بلال ليؤذن للصلاة .. وعندما وصل لـ أشهد أن محمدًا رسول الله بكى وضجت المدينة بالبكاء.

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

Facebook : ABD EL RAHMAN SAEED

أضف تعليق